Последнее обновление на 25 Дек 2018
ففعل ذلك للغرض المذكور دون قصد التشبه بغير المسلمين، ولا بأهل البدع، قد رخص فيه بعض أهل العلم؛ قال الشيخ ابن عثيمين في (لقاء الباب المفتوح): هذا إن جاء تلقائيًّا فهذا ما فيه بأس؛ لأن بعض الناس يستعين -مثلًا- بالهز على التلاوة. وإن جاء تعبديًّا فإنه لا يجوز، وهو بدعة، ومع ذلك نحن نحث الذين يهتزون تلقائيًّا أن يعودوا أنفسهم على ترك الهز؛ لأنه قد يقتدي بهم غيرهم، ويظن أن هذا أمر مشروع. اهـ.
وقد أطال الخليلي الشافعي في فتاويه في بيان جواز هذا الفعل، بل والمفاضلة بينه وبين السكون! بناء على كون الذكر والتلاوة مستحبة على جميع الأحوال، واستشهد بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191]، وقوله:{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35]. وقال: عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال، والأزمنة، والبقاع، مع ما لهم من الأمثلة الدالة على ذلك، مع ما ورد في تفسير الآيات المذكورة، وغيرها، علمت أن الحركة في الذكر والقراءة ليست محرمة ولا مكروهة، بل هي مطلوبة في جملة أحوال الذاكرين من قيام وقعود وجنوب، وحركة وسكون، وسفر وحضرة، وغنى وفقر …. وليس في ذلك من التشبه باليهود بحال؛ لأن حال الذاكر والقارئ لكتاب الله -عز وجل- من أين تكون لليهود؟ ومن أين لهم التلبس بها؟ حتى نشابههم فيها! ويبقى النظر في أن الحركة أولى أو السكون، قد يقال: إن الحركة أولى، ويدل لذلك أن جبريل -عليه السلام- لما جاء لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بغار حراء، فقال له: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ! فأخذه فغطه حتى بلغ منه الجهد ثلاثًا، فهذا دليل على طلب الحركة للذكر. ويدل له أيضًا أن الله تعالى شبه المنافقين بالخشب المسندة ذمًّا لهم؛ قال البيضاوي: مشبهين بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحًا خالية عن العلم. انتهى.
ويدل له قوله تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا … } فإن السير في الأرض يلزمه الحركة المترتب عليها النظر الموجب للعلم، وقد يقال: إن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس؛ فرب ذاكر ساكن غافل، فإذا تحرك تيقظ، فالحركة أولى له، ورب ذاكر متحرك الحركة تذهب خشوعه، فالسكون له أولى، ورب ذاكر قارئ يستوي عنده الحالان، فيفعل ما شاء، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات. اهـ.
وفي هذه الاستدلالات نظر لا يخفى!!! والصواب: أن الحركة والتمايل عند التلاوة لا تنزل عن رتبة الكراهة، والقول بوجوب تركها قوي؛ فإنها لم تؤثر عن النبي المعصوم -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أحد من خير القرون، عند حفظهم أو تلاوتهم لكتاب الله تعالى.
وإنما أصلها من فعل اليهود! جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: هذا التمايل عند تلاوة القرآن هو من العادات التي يجب تركها؛ لأنها تتنافى مع الأدب مع كتاب الله -عز وجل-، ولأن المطلوب عند تلاوة القرآن وسماعه، الإنصات، وترك الحركات والعبث؛ ليتفرغ القارئ والمستمع لتدبر القرآن الكريم، والخشوع لله -عز وجل-، وقد ذكر العلماء أن ذلك من عادة اليهود عند تلاوة كتابهم، وقد نهينا عن التشبه بهم. اهـ.
وقد قيل: إن تسمية اليهود جاءت من هذا المعنى؛ قال أبو عمرو بن العلاء: لأنّهم يتهوّدون؛ أي: يتحرّكون عند قراءة التوراة، ويقولون: إنّ السموات والأرض تحرّكت حين أتى الله موسى التوراة. اهـ. ذكره الثعلبي، والواحدي، والبغوي، والرازي، وابن كثير، والنيسابوري، والبقاعي،والخطيب الشربيني، في تفاسيرهم. وابن مفلح في (المبدع)، والبهوتي في (كشاف القناع)، والمناوي في (فيض القدير).
ومما روي في بيان أصل ذلك من فعل اليهود: ما رواه الطبري في تفسيره عند قوله تعالى:{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف: 171] فروى أثرًا عن أبي بكر بن عبد الله، وفي آخره: فلما نشر الألواح فيها كتاب الله كتَبَه بيده، لم يبقَ على وجه الأرض جبلٌ ولا شجرٌ ولا حجرٌ إلا اهتزّ، فليس اليوم يهوديّ على وجه الأرضِ صغيرٌ ولا كبير تقرأ عليه التوراة إلا اهتزّ، ونَفضَ لها رأسَه. اهـ.
وذكر نحو ذلك جماعة من المفسرين، كالثعلبي، والزمخشري، وابن كثير، والنيسابوري، والبقاعي. ونقله أبو حيان في (البحر المحيط) ثم قال: قد سرت هذه النزعة إلى أولاد المسلمين فيما رأيت بديار مصر، تراهم في المكتب إذا قرؤوا القرآن يهتزون ويحركون رؤوسهم، وأما في بلادنا بالأندلس والغرب فلو تحرك صغير عند قراءة القرآن أدبه مؤدب المكتب، وقال له: لا تتحرك فتشبه اليهود في الدراسة. اهـ.
وقد عقد الشيخ بكر أبو زيد في كتابه (بدع القراء القديمة والمعاصرة) مبحثًا في التحرك عند القراءة، ونقل فيه كلام أبي حيان، وقال: اشتدت كلمة علماء الأندلس في النكير على التمايل والاهتزاز والتحرك عند قراءة القرآن، وأنها بدعة يهود تسربت إلى المشارقة المصريين، ولم يكن شيء من ذلك مأثورًا عن صالح سلف هذه الأمة. وقد ألف ناصر السنة ابن أبي زيد القيرواني م سنة 386هـ -رحمه الله تعالى- (كتاب من تأخذه عند قراءة القرآن حركة) ولا ندري من خبر هذا الكتاب شيئًا … وقال الراعي الأندلسي م سنة 853هـ -رحمه الله تعالى- في (انتصار الفقير السالك) ص / 250: (وكذلك وافق أهل مصر اليهود في الاهتزاز عند الدرس والاشتغال، وهو من أفعال يهود). انتهى. وهذا أعم، فليُجْتنب. اهـ.
وقال ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث والأثر): لا تكونوا مثل اليهود، إذا نشروا التوراة نادوا. يقال: ناد ينود، إذا حرك رأسه وأكتافه. وناد من النعاس نودا، إذا تمايل. اهـ.
وقال ابن منظور في (لسان العرب): ونودان اليهود في مدارسهم مأخوذ من هذا. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة) وهو يعدد أوجه الشبه بين الرافضة واليهود: واليهود تنود في الصلاة، وكذلك الرافضة. اهـ.
وقد روي في ذلك حديث واهٍ، رواه ابن عدي في الكامل، والحكيم الترمذي في النوادر، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق، من حديث أبي بكر مرفوعًا، بلفظ: «إذا قام أحدكم لصلاته فليسكن أطرافه، ولا يتميل كما يتميل اليهود». قال ابن عدي في ترجمةالحكم بن عبد الله بن سعد -أحد رواته-: أحاديثه موضوعة … لا يتابعه الثقات عليها، وضعفه بين على حديثه. اهـ. ونقل عن ابن معين قال: ليس بثقة ولا مأمون. وتركه ابن المبارك، ونهى أحمد عن حديثه. وقال النسائي: متروك الحديث.
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=287707